ربما
منذ فترة غير يسيرة كانت تسمع بعض الأصوات النشاز التي ترتفع معارضة المطالبين بحقوق
المرأة لتقول : " و أين هي حقوق الرجل؟" . و لكن الملاحظ في السنوات
الأخيرة هو أن هذه الأصوات بدأت " تنتظم" في جمعيات تنصب نفسها مدافعة عن
"حقوق الرجل" .
إن وجود أي حركة
يفترض وجود قضية ، و القضية تفترض بديهيا دفاعا ضد عدو ، و العدو إما أن
يكون جماعة ، أو نظام حاكم ، أو دولة مستعمرة ، أو قانون مضطهد ، أو
سيادة ثقافة مضطهدة للطرف المدافع عن القضية....
إذن هل للرجل قضية ذات
خصوصية؟ و هل هناك اضطهاد يتعرض له الرجل في وجوده كجنس؟ إن العكس هو القائم
، منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا ظلت المرأة هي الجنس المضطهد و ظل الرجل
هو الجنس المهيمن .
لقد قطعت الحركة
النسائية في بلداننا أشواطا مهمة ، و حققت مكاسب جد إيجابية في تحرير المرأة
التي أصبحت تعيش في وضع أكثر إيجابية من وضع كانت تعيش فيه حتى سنوات
قريبة. و في الوقت الذي مازالت هذه الحركة تتفانى للوصول إلى مساواة كاملة
بين الجنسين ، تظهر في الساحة جمعيات ذات أفكار غير واضحة المرجعية ،
إن لم يكن لها مرجعية أصلا.
في السابق كانت التيارات
الرجعية – وما زالت- تعارض تحرر النساء بشكل قاطع ، و تهاجم أي تحرك نسوي
يطالب بحق النساء في المساواة و العيش الكريم. و كان هذا الخط واضحا و
المرجعيات الفكرية التي يستند اليها واضحة . أما هذه الجمعيات فهي في الغالب
تستند إلى أفكار مشوشة ، هي أقرب إلى الاضطراب النفسي من الاضطراب الفكري. و
إدعاءاتها نابعة من تخلف كبير و لا تستند إلى أية ثوابث علمية ( تاريخية
،أو اجتماعية ، أو اقتصادية ، أو نفسية) و لا تستند إلى أدنى مرجعية فكرية
أو حقوقية . فقط تفسيرات مضطربة لقضية مختلقة
.
أبرز مثال أدرجه على هذا
التشوش الفكري هو جمعية "سي السيد" التي تأسست في مصر منذ مارس 2007
، و التي تدعو إلى الرجوع لزمن " سي السيد" من أجل صون كرامة
الرجل ، و تقول إن الحكومة هي السبب في الوضع الذي آل إليه الرجل ، لأن السياسة التي
تنهجها الدولة تؤدي الى نظام غدائي غير متوازن ، و نقص التغدية هو السبب
المباشر في كون الرجل أصبح ضعيفا و فقد فحولته ، لذلك أصبحت المرأة
متسلطة تضطهد هذا الرجل المسكين الذي " يرجع مهلهلا من الشغل" على
حد تعبير رئيس الجمعية "نعيم أبو عيضة".
الى أي
مرجعية يمكن أن تستند جمعية مثل هذه ، أصلا من إسم الجمعية يظهر الفراغ الفكري
، "سي السيد" الشخصية الشهيرة في رواية نجيب محفوظ ، شخص غير متوازن
، مزدوج الشخصية : عند العوالم يكون مراهقا سخيفا ، و في بيته يكون طاغية ،
شخص منافق إذن . هل هذا هو النموذج الذي يدافعون عنه؟
في الوقت الذي
تناضل فيه الحركة النسوية للوصول إلى مجتمع يكون فيه الرجل و المرأة عنصرين
فاعلين لبناء المستقبل ، مجتمع يكون فيه الرجال و النساء أشخاص مسؤولون،
يعيشون حياة يحكمها العقل ، العقل المحترم للإنسان في وجوده كإنسان
دون تمييز ، تدعو هذه الجمعية الى التخلف و الرجوع الى وضع تجاوزه التاريخ
. بدل تحليل علمي يفسر المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفها
المجتمع و التي قادت بشكل حتمي الى ضرورة تعليم المرأة و خروجها للعمل
لتكون عنصرا فاعلا في المجتمع مثلها مثل الرجل، يتم إعطاء مثل هذه التفسيرات
و الادعاءات غير المبنية على أي أساس علمي ، مثل فقدان الرجل لفحولته.
لذلك قلت إن هذه الجمعيات تستند الى أفكار أساسها الاضطراب النفسي
، لأن الحديث عن الفحولة لن يحيلنا إلا إلى التفسيرات الفرويدية التي
تقول إن الصراع بين المرأة و الرجل قائم بالأساس على عقدة الاخصاء التي
تعاني منها المرأة ، والتي تدفعها لاستخدام أسلحة الكيد و الاغراء للإنتقام
. غير أن التفسيرات الفرويدية على علتها ، و برغم كونها تستبعد البعد
الاجتماعي و الاقتصادي للصراع فهي تبقى تنتمي الى خانة العلم ، أما فكرة
الرجوع الى خرافة "سي السيد" فلا تعدو أن تكون دليلا واضحا على تخلف كبير
بدأت مجتمعاتنا تصطبغ به من جديد بعد كل محاولات التحديث.
في حوار مع
رئيس جمعية " الحرية لأصدقاء الرجل" طارق إمام علي بالمجلة الالكترونية
"جميلة" ، قال إن الجمعية تهتم بشؤون الرجل و بأن يكون له بعض الحقوق
مثل يوم عيد الرجل على غرار عيد المرأة ، و أن تكون هناك مستوصفات تهتم
بالأمراض الخاصة بالرجل مثلما هناك مراكز متخصصة لأمراض الأمومة و الطفولة
، و في حديثه عن العلاقات داخل الأسرة قال : " الرجل يتمنى أن يرزقه
الله بزوجة جميلة مطيعة له و ليست ندا له" .
و كأن المسألة مسألة
عناد ، إن اليوم العالمي للمرأة ليس ترفا ، إنه تخليد لذكرى نساء دفعن
حياتهن ثمنا للحرية ، و هو أيضا وقفة سنوية للتذكير بالوضع الذي تعيشه
النساء ، و يوم للنضال . كما أن المراكز الصحية المختصة بأمراض الأمومة
و كل المكاسب الاجتماعية المتعلقة بالأمومة ليست وليدة الصدفة ، بل هي
نتاج لنضال نسوي طويل ، لقد تطلب الأمر سنوات طويلة لأثباث أن الحمل و
الولادة و الأمومة و التربية هي أمور لا يجب أن تتحملها المرأة وحدها لأن
استمرار النوع البشري لا يعني النساء وحدهن بل هو مسؤولية الجميع
. لذلك ناضلت الحركة
النسائية و لا زالت تناضل من أجل تحمل اجتماعي لكل مسائل الأمومة، و لا زالت المكاسب ضئيلة في
هذا الجانب.
لذلك فمن غير المنطقي
أن يتم النظر للأمر من هذه الزاوية الضيقة ، لأن جمعية تضع من بين أهدافها
: يوم عالمي للرجل و مراكز صحية خاصة بالرجل ، لتحول الصراع إلى أضيق
الجوانب و تجعل الحرب حربا بين الرجل و المرأة . بل و تستصغر الصراع الى
أبعد الحدود .
المؤسف هو أن نجد
الإعلام يعترف بهذا النوع من الجمعيات ، لا أقصد بالاعتراف مثلا ان يتم
إجراء حوارات مع أعضاء الجمعيات ،
لأن الحوار يمكن أن يكون محايدا في بعض الأحيان و يكتفي بطرح أسئلة للتعريف
بالجمعية و بأهدافها ، فأن يستقبل برنامج تلفزيوني مثل برنامج 90 دقيقة
الذي تبثه احدى القنوات المصرية رئيس جمعية "سي السيد" لإجراء حوار معه حول
أهداف الجمعية ، يمكن أن يكون أمرا مستساغا.
أما أن تقوم قناة
إخبارية باستقبال مناضلة نسوية على الهاتف ، و بالمقابل على خط هاتفي آخر
يستقبل شخص معارض لها من أحد جمعيات حقوق الرجل ، فهذا اعتراف صريح و ليس
ضمني . أن توضع في كفة ميزان مناضلة تدافع عن قضية ذات مشروعية تاريخية
، و تحمل وراءها تاريخا طويلا لنضال نساء دفعن حياتهن ثمنا للدفاع عن
وجودهن كنساء و لبناء حركة متينة تدافع عن حق النساء في العيش ككائن طبيعي ،
و في الكفة الثانية للميزان شخص لا مشروعية تاريخية و لا علمية و لا
حقوقية لما يدافع عنه ، شخص مثقل بالتخلف ، فهذا أمر مؤسف فعلا . لأن المتلقي
ليس دائما شخصا واعيا سيستخدم العقل للحكم في مثل هذه الأمور ، فنسبة
الوعي في مجتمعاتنا ضئيلة ، و بالتالي تكون نتيجة مثل هذه المحاورات هي أن
تخرج المناضلة النسوية منهزمة مهما استعملت من وسائل الاقناع العلمية
و الفكرية . المتلقي المشبع بقيم المجتمع الذكوري ، و الغارق في التخلف
سيقف في صف الرجل المدافع عن أمور تبدو له بديهية . لذلك قلت إن هذا
اعتراف صريح و ليس ضمنيا.
يبقى سؤال أخير يطرح
نفسه ، و هو : هل يمكن أن تلقى مثل هذه الجمعيات أي إقبال؟
الجواب طبعا بالإيجاب .
لأن كل مظاهر التحديث في مجتمعاتنا ليست سوى مظاهر شكلية ، و مازالت علاقاتنا الاجتماعية مبنية
على تخلف كبير ، و العلاقات الأسرية تحكمها القيم الذكورية. لذلك فإن
أفكار هذه الجمعيات يمكن أن تلقى إقبالا كبيرا . و هذا دليل على تراجع كبير ،
و على فشل كل محاولات بناء مجتمع متحرر ، واعي ، و حداثي ، تسود فيه
مظاهر احترام حقوق الانسان .